فصل: وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي.

ثم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع وثمانين لستين سنة من خلافته ويقال لخمس وستين بعد أن لقي أهوالا وشدائد وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله وذخائره حتى لم يكن له إلا بساطه الذي يجلس عليه وصار إلى حد العزل والخلع حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالي من عكا فتقوم أمره ومكنه في خلافته ولما مات خلف من الولد أحمد ونزار وأبا القاسم وكان المستنصر فيما يقال قد عهد لنزار وكانت بينه وبين أبي القاسم الأفضل عداوة فخشي بادرته وداخل عمته في ولاية أبي القاسم على أن تكون لها كفالة الدولة فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي والداعي فبويع ابن ست ولقب المستعلي بالله وأكره أخوه الأكبر على بيعته ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث وبها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل قانتقض وبايع لنزار بعهده ولقب المصطفى لدين الله وسار الأفضل بالعساكر وحاصرهم بالإسكندرية واستنزلهم على الأمان وأعطاهم اليمن على ذلك وأركب نزارا السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر وجاء الأفضل ومعه أفتكين أسيرا فأحضره يوما ووبخه فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصي وقال: لا يتناول اليمن هذه للقتلة ويقال إن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زي تاجر وسأله إقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له في ذلك وقال له الحسين من إمامي بعدك؟ فقال: ابني نزار فسار ابن الصباح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سرا ثم أظهر أمره وملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت وغيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية وهم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار ولما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته وولى عليه واليه كشيلة وبعث المستعلي العساكر فحاصره ثم اقتحموا عليه وحملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وكان تتش صاحب الشام قد مات واختلف بعده ابناه رضوان ودقاق وكان دقاق بدمشق ورضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أياما قلائل ثم عاود الخطبة للعباسيين.

.استيلاء الفرنج على بيت المقدس.

كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن أرتق التركماني وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالتهم على الشام وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة ومروا بالقسطنطينية وعبروا خليجها وخلى صاحب القسطنطينية سبيلهم ليحولوا بينه وبين صاحب الشام من السلجوقية والغز فنازلوا أولا أنطاكية فأخذوها من يد باغيسيان من قواد السلجوقية وخرج منها هاربا فقتله بعض الأرمن في طريقه وجاء برأسه إلى الفرنج بأنطاكية وعظم الخطب على عساكر الشام وسار كربوقا صاحب الموصل فنزل مرج دابق واجتمع إليه دقاق بن تتش وسليمان بن أرتق وطفتكين أتابك صاحب حمص وصاحب سنجار وجمعوا من كان هنالك من الترك والعرب وبادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوما من حلول الفرنج بها وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم بنميد وخرج الفرنج وتصادموا مع المسلمين فانهزم المسلمون وقتل الفرنج مهنم ألوفا واستولوا على معسكرهم وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها أياما وهربت حاميتها وقتلوا منها نحوا من مائة ألف وصالحهم ابن منقذ على بلده شيزر وحاصروا حمص فصالحهم عليها جناح الدولة ثم حاصروا عكة فامتنعت عليهم وأدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر فيهم وسار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها وبها سقمان وأبو الغازي ابنا أرتق وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سوتج ونصبوا عليها نيفا وأربعين منجنيقا وأقاموا عليها نيفا وأربعين يوما ثم ملكوها بالأمان في سنة تسعين وأحسن الأفضل إلى سقمان وأبي الغازي ومن معهما وخلى سبيلهم فسار سقمان إلى بلد الرها وأبو الغازي إلى بلد العراق وولى الأفضل على بيت المقدس ورجع إلى مصر ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفا وأربعين يوما ونصبوا عليه برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان واستباحوها أسبوعا ولجأ المسلمون إلى محراب داود عليه السلام واعتصموا به إلى أن استنزلهم الفرنج بالأمان وخرجوا إلى عسقلان وقتل بالمسجد عند الشجرة سبعون ألفا وأخذوا من المسجد نيفا وأربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة وتنورا من الفضة يزن أربعين رطلا بالشامي ومائة وخمسين قنديلا من الصفر وغير ذلك مما لا يحصى وأجفل أهل بيت المقدس وغيرهم من أهل الشام إلى بغداد باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل والسبي والنهب وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان بركيارق وأخوته محمد وسنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك للخلاف الذي كان بينهم ورجع الوفد مؤيسين من نصرهم وجمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر وسار إلى الفرنج فساروا إليهم وكبسوهم على غير أهبة فهزموهم وافترق عسكر مصر وقد لاذوا بخم الشعراء هناك فاضرموها عليهم نارا فاحترقوا وقتل من ظهر ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا.